فصل: المسألة الثَّالِثَةُ: قَوْله تعالى: {ضِرَارًا}:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.المسألة الثَّانِيَةُ: فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ:

رُوِيَ أَنَّ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ الْمُنَافِقِينَ كُلُّهُمْ يَنْتَمُونَ إلَى الْأَنْصَارِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بَنَوْا مَسْجِدًا ضِرَارًا بِمَسْجِدِ قُبَاءَ، وَجَاءُوا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ خَارِجٌ إلَى تَبُوكَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ بَنَيْنَا مَسْجِدًا لِذِي الْعِلَّةِ وَالْحَاجَةِ وَاللَّيْلَةِ الْمَطِيرَةِ، وَإِنَّا نُحِبُّ أَنْ تَأْتِيَنَا وَتُصَلِّيَ فِيهِ لَنَا.
فَقَالَ النَّبِيُّ: «إنِّي عَلَى جَنَاحِ سَفَرٍ وَشُغْلٍ، وَلَوْ قَدِمْنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ أَتَيْنَاكُمْ فَصَلَّيْنَا لَكُمْ فِيهِ».
فَلَمَّا نَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ رَاجِعًا مِنْ سَفَرِهِ أَرْسَلَ قَوْمًا لِهَدْمِهِ، فَهُدِمَ وَأُحْرِقَ.

.المسألة الثَّالِثَةُ: قَوْله تعالى: {ضِرَارًا}:

قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: ضِرَارًا بِالْمَسْجِدِ، وَلَيْسَ لِلْمَسْجِدِ ضِرَارٌ، إنَّمَا هُوَ ضِرَارٌ لِأَهْلِهِ.

.المسألة الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: {وَكُفْرًا}:

لَمَّا اتَّخَذُوا الْمَسْجِدَ ضِرَارًا لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لِمَسْجِدِ قُبَاءَ وَلَا لِمَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَرُوا بِهَذَا الِاعْتِقَادِ.

.المسألة الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ: {وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ}:

يَعْنِي أَنَّهُمْ كَانُوا جَمَاعَةً وَاحِدَةً فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ، فَأَرَادُوا أَنْ يُفَرِّقُوا شَمْلَهُمْ فِي الطَّاعَةِ، وَيَنْفَرِدُوا عَنْهُمْ لِلْكُفْرِ وَالْمَعْصِيَةِ، وَهَذَا يَدُلُّك عَلَى أَنَّ الْمَقْصِدَ الْأَكْثَرَ وَالْغَرَضَ الْأَظْهَرَ مِنْ وَضْعِ الْجَمَاعَةِ تَأْلِيفُ الْقُلُوبِ، وَالْكَلِمَةُ عَلَى الطَّاعَةِ، وَعَقْدُ الذِّمَامِ وَالْحُرْمَةُ بِفِعْلِ الدِّيَانَةِ، حَتَّى يَقَعَ الْأُنْسُ بِالْمُخَالَطَةِ؛ وَتَصْفُوَ الْقُلُوبُ مِنْ وَضَرِ الْأَحْقَادِ وَالْحَسَادَةِ.
وَلِهَذَا الْمَعْنَى تَفَطَّنَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ قَالَ: إنَّهُ لَا تُصَلِّي جَمَاعَتَانِ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ، وَلَا بِإِمَامَيْنِ، وَلَا بِإِمَامٍ وَاحِدٍ خِلَافًا لِسَائِرِ الْعُلَمَاءِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ الْمَنْعُ حَيْثُ كَانَ ذَلِكَ تَشْتِيتًا لِلْكَلِمَةِ، وَإِبْطَالًا لِهَذِهِ الْحِكْمَةِ، وَذَرِيعَةً إلَى أَنْ نَقُولَ: مَنْ أَرَادَ الِانْفِرَادَ عَنْ الْجَمَاعَةِ كَانَ لَهُ عُذْرٌ، فَيُقِيمُ جَمَاعَتَهُ، وَيُقِيمُ إمَامَتَهُ؛ فَيَقَعُ الْخِلَافُ، وَيَبْطُلُ النِّظَامُ، وَخَفِيَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَهَكَذَا كَانَ شَأْنُهُ مَعَهُمْ، وَهُوَ أَثْبَتُ قَدَمًا مِنْهُمْ فِي الْحِكْمَةِ، وَأَعْلَمُ بِمَقَاطِعِ الشَّرِيعَةِ.

.المسألة السَّادِسَةُ: قَوْله تعالى: {وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ}:

يُقَالُ: أَرْصَدْتُ كَذَا لِكَذَا إذَا أَعْدَدْتَهُ مُرْتَقِبًا لَهُ، وَالْخَبَرُ بِهَذَا الْقَوْلِ عَنْ أَبِي عَامِرٍ الرَّاهِبِ، سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو عَامِرٍ الْفَاسِقُ، كَانَ قَدْ حَزَّبَ الْأَحْزَابَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَاءَ مَعَهُمْ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، فَلَمَّا خَذَلَهُ اللَّهُ لَحِقَ بِالرُّومِ يَطْلُبُ النَّصْرَ مِنْ مَلِكِهِمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَتَبَ إلَى أَهْلِ مَسْجِدِ الضِّرَارِ، يَأْمُرُهُمْ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ الْمَذْكُورِ، لِيُصَلِّيَ فِيهِ إذَا رَجَعَ، وَأَنْ يَسْتَعِدُّوا قُوَّةً وَسِلَاحًا؛ وَلِيَكُونَ فِيهِ اجْتِمَاعُهُمْ لِلطَّعْنِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، فَأَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَى أَمْرِهِمْ، وَأَرْسَلَ لِهَدْمِهِ وَحَرْقَهُ، وَنَهَاهُ عَنْ دُخُولِهِ، فَقال: {لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاَللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}. اهـ.

.قال السمرقندي:

{والذين اتخذوا مَسْجِدًا ضِرَارًا} يعني: بنوا مسجدًا مضرة للمسلمين.
وقال القتبي: يعني مضارة، ليضاروا به مخالفيهم، ليدخلوا عليهم المضرة، {وَكُفْرًا}؛ يعني: وإظهارًا للكفر، {وَتَفْرِيقًا بَيْنَ المؤمنين}.
قرأ نافع وابن عامر {الذين} بغير واو، وقرأ الباقون بالواو؛ ومعناهما واحد، إلا أن الواو للعطف.
نزلت الآية في سبعة عشر من المنافقين من بني غنم بن عوف، قالوا: تعالوا نبني مسجدًا، يكون فيه متحدثنا ومجمع رأينا.
فانطلقوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألوه أن يأذن لهم في بناء المسجد، وقالوا: قد بعُد علينا المسير إلى الصلاة معك، فتفوتنا الصلاة، فاذن لنا أن نبني مسجدًا لذوي العلّة والليلة المطيرة.
فأذن لهم، وكانوا ينظرون رجوع أبي عامر الراهب من الشام، وكان النبي صلى الله عليه وسلم سماه فاسقًا، وقال: «لا تَقُولُوا رَاهِبٌ ولكن قُولُوا فَاسِقٌ» وقد كان آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم مرتين ثم رجع عن الإسلام، فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فمات كافرًا.
فلما ظهر أمرهم ونفاقهم، جاؤوا يحلفون {إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الحسنى} أي أردنا ببناء المسجد فنزل: {والذين اتخذوا مَسْجِدًا ضِرَارًا} يعني: بنوا المسجد للضرار والكفر وللتفريق بين المؤمنين لكي يصلي بعضهم في مسجد قباء وبعضهم في مسجدهم، وليجتمع الناس إلى مسجدهم ويتفرق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
{وَإِرْصَادًا لّمَنْ حَارَبَ الله وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ}، يعني: انتظارًا لمن هو كافر بالله ورسوله من قبل بناء المسجد، أن يقدم عليهم من قبل الشام، وهو أبو عامر الراهب.
{وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الحسنى}، أي ما أردنا ببناء المسجد إلاَّ صوابًا، لكيلا تفوتنا الصلاة بالجماعة، ولكي يرجع أبو عامر فيسلم.
{والله يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لكاذبون} فيما حلفوا، وإنَّما اجتمعوا فيه لإظهار النفاق والكفر. اهـ.

.قال الثعلبي:

قوله تعالى: {والذين اتخذوا مَسْجِدًا ضِرَارًا} الآية.
قال المفسرون: إنّ بني عمر بن عوف اتخذوا مسجد قبا وبعثوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيهم فأتاهم فصلى فيهم فحسدهم إخوتهم بنو غنم ابن عوف، وقالوا: نبني مسجدًا ونرسل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيه كما صلى في مسجد إخوتنا وليصلي فيه أبو عامر النعمان الراهب إذا قدم من الشام وكان أبو عامر رجلًا منهم وهو أبو حنظلة غسيل الملائكة وكان قد ترهّب في الجاهلية وتنصّر ولبس المسوح. فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة قال له أبو عامر: ما هذا الذي جئت به؟ قال: «جئت بالحنيفيّة دين إبراهيم»، قال أبو عامر: فأنا عليها قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فإنك لست عليها» قال: بلى ولكنك أدخلت في الحنيفيّة ما ليس منها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما فعلت ولكني جئت بها بيضاء نقية»، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم أمات الله الكاذب منّا طريدًا وحيدًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آمين»، وسمي العامر الفاسق. فلما كان يوم أُحد قال أبو عامر لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن أجد قومًا يقاتلونك إلاّ قاتلتك معهم، فلم يزل يقاتله الى يوم حنين فلما انهزمت هوازن خرج الى الروم يستنصر وأرسل الى المنافقين أن استعدوا بما استطعتم من قوة وسلاح وابنوا لي مسجدًا فإني ذاهب الى قيصر ملك الروم فآت بجند من الروم فأُخرج محمدًا وأصحابه، وذلك قوله تعالى: {وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ الله وَرَسُولَهُ} فبنوا مسجدًا الى جنب مسجد قبا وكان الذين بنوه اثنا عشر رجلًا: خذام بن خالد ومن داره أخرج المسجد، وثعلبة بن حاطب، ومعتب بن قشير، وأبو الأرعد، وعباد بن حنيف، وحارثة بن عامر، وجارية وابناه مجمّع وزيد، ونبتل بن الحارث. ولحاد بن عثمان، ووديعة ابن ثابت، وكان يصلي بهم مجمع بن يسار، فلما فرغوا أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو يتجهز الى تبوك، وقالوا: يا رسول الله إنا قد بنينا مسجدًا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية وإنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه وتدعو بالبركة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني على جناح السفر ولو قدمنا إن شاء الله أتيناكم فصلينا لكم فيه».
فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك ونزل بذي أوان بلد بينه وبين المدينة ساعة، فسألوه إتيان مسجدهم فدعا بقميصه ليلبسه ويأتيهم فنزل عليه القرآن فأخبره الله عزّ وجلّ خبر مسجد الضرار وما هموا به فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك بن الدخشم ومعن بن عدي وعامر بن السكن والوحشي قاتل حمزة وقال لهم: «انطلقوا الى هذا المسجد الظالم أهله فاهدموه وأحرقوه» فخرجوا سريعًا حتى اتوا سالم بن عوف واتوا رهط مالك بن الدخشم فقال مالك لهم: انتظروا حتى آتي لكم بنار من أهلي فدخل أهله فأخذ سعفًا من النخل فأشعل فيه نارًا ثم خرجوا ينشدون حتى دخلوا المسجد وفيه أهله فحرقوه وهدّموه وتفرّق عنه أهله وامر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ ذلك كناسة تلقى فيه الجيف والدنس والقمامة، ومات أبو عامر الراهب بالشام وحيدًا غريبًا وفيه يقول كعب بن مالك:
معاذ الله من فعل الخبيث ** كسعيك في العشيرة عبد عمرو

فاما قلت بأن لي شرف ونخل ** قدما بعت إيمانًا بكفر

قال عكرمة: سأل عمر بن الخطاب رجلًا منهم ماذا أعنت في هذا المسجد فقال: أعنت في سارية فقال عمر: أبشر بها في عنقك في نار جهنم.
ويروى أنّ بني عمر بن عوف الذين بنوا مسجد قبا سألوا عمر بن الخطاب في خلافته ليأذن لمجمع بن حارثة فيؤمّهم في مسجدهم فقال: لا ولا نعمة عين أليس هو مسجد الضرار، فقال له مجمّع: يا أمير المؤمنين لا تعجل عليَّ. فوالله لقد صليت فيه واني لا أعلم ما أضمروا عليه، ولقد علمت ما صلّيت معهم فيه كنت غلامًا قارئًا للقرآن وكانوا ثبوتًا قد رغبوا وكانوا لا يعلمون من القرآن شيئًا فصليت ولا أحسب منعوا شيئًا إلاّ أنهم يتضرعون الى الله ولم أعلم ما في أنفسهم.
فعذره عمر وصدّقه وأمره بالصلاة في مسجد قبا. فهذا قصة مسجد الضرار الذي أنزل الله عزّ وجلّ فيه {والذين اتخذوا مَسْجِدًا} قرأه العامة بالواو، وقول أهل المدينة والشام بغير الواو، وكذلك هو في مصاحف أهل المدينة والشام.
قال عطاء: لما فتح الله على عمر بن الخطاب الأمصار أمر المسلمين أن يبنوا المساجد وأمرهم ألاّ يتخذوا في مدينتهم مسجدين مجاورًا أحدهما لصاحبه.
وروى ليث أن شقيقًا لم يدرك الصلاة في مسجد بني عامر فقيل له: مسجد بني فلان لم يصلوا بعد.
قال: لا أحب أن أُصلي فيه فإنه بني على ضرار وكل مسجد بني على ضرار أو رياءً أو سمعة فإن أصله ينتهي الى مسجد ضرار.
{وَكُفْرًا} نفاقًا {وَتَفْرِيقًا بَيْنَ المؤمنين} يفرقون به جماعتهم لأنهم كانوا صلون جمعًا في مسجد قبا فبنوا مسجد الضرار ليصلي فيه بعضهم دون مسجد قبا وبعضهم في مسجد قبا فيختلفوا بسبب ذلك ويفترقوا {وَإِرْصَادًا} وانتظارًا وإعدادًا {لِّمَنْ حَارَبَ الله وَرَسُولَهُ مِن قَبْل} وهو أبو عامر الراهب الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاسق ليصلي فيه إذا رجع من الشام ويظهر على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قرأ الأعمش {وإرصادًا للذين حاربوا الله}: {وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا} ما أردنا {إِلاَّ الحسنى} إلاّ الفعلة الحسنى وهي للمرضى المسلمين والتوسعة على أهل الضعف والعلة والعجز عن المسير الى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم {والله يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} في قولهم وحلفهم. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا}
هؤلاء هم بنو عمرو بن عوف وهم اثنا عشر رجلًا من الأنصار المنافقين، وقيل: هم خذام بن خالد ومن داره أخرج مسجد الشقاق، وثعلبة بن حاطب، وَمُعَتِّب بن قشير، وأبو حبيبة بن الأزعر، وعباد بن حنيف أخو سهل بن حنيف، وجارية بن عامر، وابناه مُجمِّع وزيد ابنا جارية، ونبتل بن الحارث، وبجاد بن عثمان، ووديعة بن ثابت، وبحرج وهو جد عبد الله بن حنيف، وله قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وَيْلَكَ يَا بَحْرَج مَاذَا أَرَدْتَ بِمَا أَرَى؟» فقال يا رسول الله ما أردت إلا الحسنى، وهو كاذب، فصدقه، فبنى هؤلاء مسجد الشقاق والنفاق قريبًا من مسجد قباء.
{ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ} يعني ضرارًا، وكفرًا بالله، وتفريقًا بين المؤمنين أن لا يجتمعوا كلهم في مسجد قباء فتجتمع كلمتهم، ويتفرقوا فتتفرق كلمتهم، ويختلفوا بعد ائتلافهم.
{وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ...} وفي الإرصاد وجهان:
أحدهما: أنه انتظار سوء يتوقع.
الثاني: الحفظ المقرون بفعل.
وفي محاربة الله تعالى ورسوله وجهان:
أحدهما: مخالفتهما.
الثاني: عداوتهما. والمراد بهذا الخطاب أبو عامر الراهب والد حنظلة بن الراهب كان قد حزّب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم خاف فهرب إلى الروم وتنصر واستنجد هرقل على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فبنوا هذا المسجد له حتى إذا عاد من هرقل صلى فيه، وكانوا يعتقدون أنه إذا صلى فيه نُصِر، وكانوا ابتدأوا بنيانه ورسول الله صلى الله عليه وسلم خارج إلى تبوك، فسألوه أن يصلي لهم فيه فقال: «أَنَا عَلَى سَفَرٍ وَلَو قَدِمْنَا إِن شَاءَ اللَّهُ أَتَينَاكُم وَصَلَّينَا لَكُم فِيهِ».
فلما قدم من تبوك أتوه وقد فرغوا منه وصلوا فيه الجمعة والسبت والأحد، وقالوا قد فرغنا منه، فأتاه خبر المسجد وأنزل الله تعالى فيه ما أنزل.
وحكى مقاتل أن الذي أمّهم فيه مجمع بن جارية وكان قارئًا، ثم حسن إٍسلامه بعد ذلك فبعثه عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الكوفة يعلمهم القرآن، وهو علم ابن مسعود بقية القرآن.
{... وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى} يحتمل ثلاثة أوجه: أحدها: طاعة الله تعالى.
والثاني: الجنة.
والثالث: فعل التي هي أحسن، من إقامة الدين والجماعة والصلاة، وهي يمين تحرُّج.
{وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} يحتمل وجهين:
أحدهما: والله يعلم إنهم لكاذبون في قولهم خائنون في إيمانهم.
والثاني: والله يعلمك أنهم لكاذبون خائنون. فصار إعلامه له كالشهادة منه عليهم. اهـ.